عثمان بن عفان رضي الله عنه: ذو النورين وجامع القرآن وصاحب الحياء والإيمان
مقال شامل عن سيرة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثالث الخلفاء الراشدين، وجامع القرآن الكريم، وصاحب لقب ذو النورين. تعرف على مواقفه، فضائله، إنجازاته، صفاته، واستشهاده،
المقدمة
في زحام التاريخ الإسلامي، تتألق أسماء رجال عظام، طهروا قلوبهم لله، وصدقوا العهد، ونالوا شرف الصحبة للرسول ﷺ. ومن بين هؤلاء الأعلام، يتربع على عرش الحياء والكرم، والعقل والحكمة، عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثالث الخلفاء الراشدين، وزوج اثنتين من بنات النبي ﷺ، وصاحب أعظم مشروع لحفظ القرآن في تاريخ الإسلام.
في هذا المقال الإسلامي المطوّل، نغوص معًا في سيرة هذا الرجل الفريد، الذي قال فيه النبي ﷺ:
"ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم"
(رواه الترمذي).
تعالَ نتعرف على حياته من الميلاد إلى الشهادة، ونتأمل في دروسها وعبرها، لفهم العميق لقيم الحياء، الزهد، الكرم، الثبات على المبادئ، والإصلاح في أحلك الظروف.
الفصل الأول: النسب والميلاد والنشأة
ولد عثمان بن عفان في الطائف بعد عام الفيل بست سنوات تقريبًا، أي سنة 576م. يعود نسبه إلى بني أمية، أحد بطون قريش الكبرى. والده هو عفان بن أبي العاص، وأمه أروى بنت كريز، وهي من بني عبد شمس، وابنة عمة النبي ﷺ.
كان غنيًا منذ صغره، وتاجرًا ناجحًا، عرف عنه الصدق، والكرم، وحسن الخلق، حتى قبل الإسلام. وكان محبوبًا في قريش، ومعروفًا بعفته ونقاء سريرته.
الفصل الثاني: إسلام عثمان بن عفان
أسلم عثمان على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان عمره آنذاك نحو 34 سنة. وكان من أوائل من أسلموا بعد خديجة وعلي وزيد وأبي بكر.
ترك تجارة الجاهلية، وهاجر إلى الحبشة مع زوجته رقيّة، ابنة النبي ﷺ، فرارًا بدينه. ثم عاد إلى مكة، وهاجر مرة أخرى إلى المدينة.
وقد مدحه رسول الله ﷺ كثيرًا، وقال:
"أصدق أمتي حياءً عثمان"
وكان النبي يحبه حبًا شديدًا، ويثق به، ويدنيه منه.
الفصل الثالث: عثمان بن عفان وذو النورين
من خصائص عثمان بن عفان التي لا يشاركه فيها أحد، أنه تزوّج بنتي النبي ﷺ.
أولاهما: رُقيّة، التي هاجر معها إلى الحبشة، ثم المدينة، وتوفيت يوم غزوة بدر.
ثم زوجه النبي ﷺ أم كلثوم، وقال له:
"لو كان لي ثالثة لزوّجتك إياها".
ومن هنا لُقّب بـ ذو النورين.
الفصل الرابع: إنفاق عثمان في سبيل الله
لم يكن عثمان غنيًا فحسب، بل كان من أكثر الصحابة إنفاقًا في سبيل الله، ومن أبرز مواقفه:
1. تجهيز جيش العسرة:
في غزوة تبوك، تخلّف كثير من الناس لضعف المال، فجهّز عثمان ألف بعير بكامل العتاد، وتبرع بألف دينار، حتى قال عنه النبي ﷺ:
"ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم"
2. شراء بئر رومة:
كانت بئرًا يشرب منها اليهود مقابل المال، فاشتراها عثمان، ووقفها للمسلمين.
3. توسعة المسجد النبوي:
تبرع بمساحة كبيرة بجوار المسجد، واشترى أرضًا ليوسّع بها المسجد.
الفصل الخامس: خلافة عثمان بن عفان
بعد استشهاد عمر بن الخطاب، اجتمعت الشورى، واختار الصحابة عثمان خليفة للمسلمين سنة 23 هـ.
أهم ما ميّز خلافته:
العدل واللين: جمع بين الحزم في الحكم، واللين مع الرعية.
الفتوحات: امتدت الدولة الإسلامية إلى شمال إفريقيا، وقبرص، والسند، وأذربيجان.
إنشاء الأسطول البحري: حافظ على سيادة المسلمين في البحر الأبيض المتوسط.
جمع القرآن الكريم: أعظم إنجاز، لحفظ الأمة من التفرّق.
الفصل السادس: جمع القرآن الكريم
انتشرت الفتوحات، وتعددت اللهجات، وبدأت تظهر اختلافات في تلاوة القرآن، فقام عثمان بتشكيل لجنة برئاسة زيد بن ثابت لجمع القرآن في مصحف واحد بلغة قريش، وأرسل نسخًا إلى الأمصار، وأمر بإتلاف ما سواها.
وهكذا حفظ الله به وحدة الأمة والقرآن الكريم.
الفصل السابع: الفتنة الكبرى واستشهاده
مع اتساع رقعة الدولة، وتنوع الثقافات، بدأت تظهر أصوات الفتنة بقيادة شخصيات مأجورة أو جاهلة، مثل عبد الله بن سبأ، الذين أثاروا الناس على الخليفة.
ورغم تحذيرات الصحابة، رفض عثمان قتالهم، وكان شعاره:
"لا أُسفك دمًا في سبيل خلافي"
حتى تسللوا إلى داره، وفي يوم الجمعة، وهو يقرأ المصحف، دخل عليه قاتلوه، واستُشهد شهيدًا مظلومًا.
الفصل الثامن: صفات عثمان بن عفان
الحياء الشديد: حتى كانت الملائكة تستحي منه.
الكرم والبذل: لا يُضاهى في الجود.
الزهد والتواضع: كان يصوم النهار ويقوم الليل.
الصبر والحلم: واجه الفتن بصدرٍ رحب.
العدل والورع: لم يُعرف له فساد في ماله أو حكمه.
الفصل التاسع: دروس وعبر من حياة عثمان
الحياء خلق الإيمان: تعلم من عثمان أن الحياء لا يتناقض مع القيادة.
البذل في سبيل الله يخلّدك في التاريخ.
الثبات وقت الفتنة أعظم من ألف نصر.
جمع الكلمة أهم من الدفاع عن الذات.
سيرة العظماء لا تُنسى وإن شوهتها الفتن.
الفصل العاشر: أقوال العلماء في عثمان
قال الإمام مالك:
"كان عثمان بن عفان من أعفّ الناس، وأكثرهم ورعًا، وأحسنهم صمتًا".
وقال الذهبي:
"الخليفة الشهيد، المظلوم، ذو النورين، من السابقين الأولين، ومن خيرة البشر".
خاتمة المقال
عثمان بن عفان رضي الله عنه، رجل اجتمع فيه الجود والحياء، العلم والتقوى، الصبر والقيادة، الزهد والحكمة. وفاته لم تكن خسارة لرجلٍ فقط، بل كانت بداية فتنة عظيمة ألمّت بالأمة.
ومع ذلك، لا يزال اسمه يُذكر حتى اليوم بكل فخر وإجلال، ونبقى نحن نستلهم من سيرته الصبر، والإيمان، ونصرة الإسلام بالمال والنفس.
هل تعلم؟
هل تعلم أن عثمان بن عفان هو أول من أسس بيت المال؟
وهل تعلم أنه كان يقرأ القرآن كاملًا في ركعة واحدة أحيانًا؟
وهل تعلم أنه استشهد والمصحف بين يديه، وقطر الدم سقط على قوله تعالى:
"فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"
[البقرة: 137].

Post a Comment